فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

والمراد من {اذكر نعمتي} الذُّكر بضمّ الذال وهو استحضار الأمر في الذهن.
والأمر في قوله: {اذكر} للامتنان، إذ ليس عيسى بناس لنعم الله عليه وعلى والدته.
ومن لازمه خزي اليهود الذين زعموا أنّه ساحر مفسد إذ ليس السحر والفساد بنعمة يعدّها الله على عبده.
ووجه ذكر والدته هنا الزيادة من تبكيت اليهود وكمدهم لأنّهم تنقّصوها بأقذع ممّا تنقّصوه.
والظرف في قوله: {إذْ أيّدتك بروح القدس} متعلّق بـ {نعمتي} لما فيها من معنى المصدر، أي النعمة الحاصلة في ذلك الوقت، وهو وقت التأييد بروح القدس.
وروح القدس هنا جبريل على الأظهر.
والتأييد وروح القدس تقدّمًا في سورة البقرة (87) عند قوله: {وآتينا عيسى ابن مريم البيِّنات وأيّدناه بروح القدس}.
وجملة {تكلّم} حال من الضمير المنصوب بِ {أيّدتك} وذلك أنّ الله ألقى الكلام من الملَك على لسان عيسى وهو في المهد، وفي ذلك تأييد له لإثبات نزاهة تكوّنه، وفي ذلك نعمة عليه، وعلى والدته إذ ثبتت براءتها ممّا اتّهمت به.
والجارّ والمجرور في قوله: {في المهد} حال من ضمير {تُكلّم}.
و{كَهْلًا} معطوف على {في المهد} لأنّه حال أيضًا، كقوله تعالى: {دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا} [يونس: 12].
والمهد والكهل تقدّمًا في تفسير سورة آل عمران.
وتكليمه كهلًا أريد به الدعوة إلى الدين فهو من التأييد بروح القدس، لأنّه الذي يلقي إلى عيسى ما يأمره الله بتبليغه. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِى}
إنه تعالى ذكر هاهنا {فَتَنفُخُ فِيهَا} وذكر في آل عمران {فَأَنفُخُ فِيهِ} [آل عمران: 49].
والجواب: أن قوله: {كَهَيْئَةِ الطير} أي هيئة مثل هيئة الطير فقوله: {فَتَنفُخُ فِيهَا} الضمير للكاف، لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى وينفخ فيها ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ولا نفخه في شيء.
إذا عرفت هذا فنقول: الكاف تؤنث بحسب المعنى لدلالتها على الهيئة التي هي مثل هيئة الطير وتذكر بحسب الظاهر.
وإذا كان كذلك جاز أن يقع الضمير عنها تارة على وجه التذكير وأخرى على وجه التأنيث. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذْ تَخْلُقُ} أي تصور {مِنَ الطين} أي جنسه {كَهَيْئَةِ الطير} أي هيئة مثل هيئته {بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا} أي في تلك الهيئة المشبهة {فَتَكُونُ} بعد نفخك من غير تراخ {طَيْرًا} أي حيوانًا يطير كسائر الطيور وقرأ نافع ويعقوب {طائرًا} وهو إما اسم مفرد وإما اسم جمع كباقر وسامر.
{بِإِذْنِى وَتُبْرِئ الأكمه والأبرص بِإِذْنِى} عطف على {تَخْلُقُ}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قال هنا {فتنفخ فيها} وقال في سورة آل عمران (49) {فانفخ فيه} فعن مكّي بن أبي طالب أنّ الضمير في سورة آل عمران عادَ إلى الطير، والضمير في هذه السورة عاد إلى الهيئة.
واختار ابن عطية أن يكون الضمير هنا عائدًا إلى ما تقتضيه الآية ضرورة.
أي بدلالة الاقتضاء.
وذلك أنّ قوله: {وإذْ تَخْلُق من الطين كهيئة الطير} يقتضي صورًا أو أجسامًا أو أشكالًا، وكذلك الضمير المذكّر في سورة آل عمران (49) يعود على المخلوق الذي يقتضيه {أخْلُق} وجعله في الكشاف عائدًا إلى الكاف باعتبار كونها صفة للفظ هيئة المحذوف الدّال عليه لفظ هيئة المدخول للكاف وكلّ ذلك ناظر إلى أنّ الهيئة لا تصلح لأن تكون متعلّق {تنفخ}، إذ الهيئة معنى لا ينفخ فيها ولا تكون طائرًا.
وقرأ نافع وحده {فتكون طائرًا} بالإفراد كما قرأ في سورة آل عمران.
وتوجيهها هنا أنّ الضمير جرى على التأنيث فتعيّن أن يكون المراد وإذ تخلق، أي تقدّر هيئة كهيئة الطير فتكون الهيئة طائرًا، أي كلّ هيئة تقدّرها تكون واحدًا من الطير.
وقرأ البقية {طيرًا} بصيغة اسم الجمع باعتبار تعدّد ما يقدّره من هيئات كهيئة الطير.
وقال هنا {وإذا تخرج الموتى} ولم يقل: {وأحي الموتى}، كما قال في سورة آل عمران (49)، أي تخرجهم من قبورهم أحياء، فأطلق الإخراج وأريد به لازمه وهو الإحياء، لأنّ الميّت وضع في القبر لأجل كونه ميّتًا فكان إخراجه من القبر ملزومًا الانعكاس السبب الذي لأجله وضع في القبر.
وقد سمّى الله الإحياء خروجًا في قوله: {وأحيينا به بلدة ميتًا كذلك الخروج} [ق: 11] وقال: {إذا متم وكنتم ترابًا وعظامًا أنكم مخرجون} [المؤمنون: 35]. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى اعتبر الإذن في خلق الطين كهيئة الطير، وفي صيرورته ذلك الشيء طيرًا.
وإنما أعاد قوله: {بِإِذْنِى} تأكيدًا لكون ذلك واقعًا بقدرة الله تعالى وتخليقه لا بقدرة عيسى وإيجاده. اهـ.

.قال الألوسي:

وقوله سبحانه: {وَإِذْ تُخْرِجُ الموتى بِإِذْنِى} عطف على {إِذْ تَخْلُقُ} أعيدت فيه {إذ} كما قيل لكون إخراج الموتى من قبورهم لاسيما بعد ما صاروا رميمًا معجزة باهرة حرية بتذكير وقتها صريحًا.
وما في النظم الكريم أبلغ من تحيي الموتى فلذا عدل عنه إليه.
وقد تقدم الكلام في بيان من أحياهم عليه الصلاة والسلام مع بيان ما ينفعك في هذه الآية في سورة آل عمران (94) وذكر {بإذني} هنا أربع مرات وثمة مرتين قالوا: لأنه هنا للامتنان وهناك للإخبار فناسب هذا التكرار هنا. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَتُبْرِئ الأكمه والأبرص بِإِذْنِى}
وإبراء الأكمه والأبرص معروف وقال الخليلي: الأكمه من ولد أعمى والأعمى من ولد بصيرا ثم عمي.
قوله تعالى: {وَإِذْ تُخْرِجُ الموتى بِإِذْنِى} أي وإذ تخرج الموتى من قبورهم أحياء باذني أي بفعلي ذلك عند دعائك، وعند قولك للميت أخرج بإذن الله من قبرك، وذكر الإذن في هذه الأفاعيل إنما هو على معنى إضافة حقيقة الفعل إلى الله تعالى كقوله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} [آل عمران: 145] أي إلا بخلق الله الموت فيها. اهـ. بتصرف يسير.
قال الفخر:
قوله: {إِذْ جِئْتَهُمْ بالبينات} يحتمل أن يكون المراد منه هذه البيّنات التي تقدم ذكرها، وعلى هذا التقدير فالألف واللام للعهد.
ويحتمل أن يكون المراد منه جنس البينات.
روي أنه عليه الصلاة والسلام لما أظهر هذه المعجزات العجيبة قصد اليهودُ قتلَه فخلصه الله تعالى منهم حيث رفعه إلى السماء. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الألوسي:

{وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إسرائيل عَنكَ} يعني اليهود حين هموا بقتله ولم يتمكنوا منه.
{إِذْ جِئْتَهُمْ بالبينات} أي المعجزات الواضحة مما ذكر وما لم يذكر وهو ظرف لكففت مع اعتبار قوله تعالى: {فَقَالَ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} وهو مما يدل على أنهم قصدوا اغتياله عليه الصلاة والسلام المحوج إلى الكف أي كففتهم عنك حين قالوا ذلك عند مجيئك إياهم بالبينات، ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة.
فكلمة من بيانية وهذا إشارة إلى ما جاء به. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وإذ كففت بني إسرائيل عنك} عطف على {إذْ أيّدتك} وما عطف عليه.
وهذا من أعظم النعم، وهي نعمة العصمة من الإهانة؛ فقد كفّ الله عنه بني إسرائيل سنين، وهو يدعو إلى الدين بين ظهرانيهم مع حقدهم وقلّة أنصاره، فصرفهم الله عن ضرّه حتى أدّى الرسالة، ثمّ لمّا استفاقوا وأجمعوا أمرهم على قتله عصمه الله منهم فرفعه إليه ولم يظفروا به، وماتت نفوسهم بغيظها.
وقد دلّ على جميع هذه المدّة الظرف في قوله: {إذ جئتم بالبيّنات} فإنّ تلك المدّة كلّها مدّة ظهور معجزاته بينهم.
وقوله: {فقال الذين كفروا منهم} تخلّص من تنهية تقريع مكذّبيه إلى كرامة المصدّقين به.
واقتصر من دعاوي تكذيبهم إيّاه على قولهم {إنْ هذا إلاّ سحر مبين}، لأنّ ذلك الادّعاء قصدوا به التوسّل إلى قتله، لأنّ حكم الساحر في شريعة اليهود القتل إذ السحر عندهم كفر، إذ كان من صناعة عبدة الأصنام، فقد قرنت التوراة السحر وعِرافةَ الجانّ بالشرك، كما جاء في سفر اللاويّيين في الإصحاح العشرين. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ حمزة والكَسائي {ساحر} بالألف وكذلك في يونس وهود والصّف، وقرأ ابن عامر وعاصم في يونس بالألف فقط والباقون {سِحر} فمن قرأ {ساحر} أشار إلى الرجل ومن قرأ {سِحر} أشار به إلى ما جاء به.
وكلاهما حسن لأن كل واحد منهما قد تقدم ذكره.
قال الواحديّ رحمه الله: والاختيار {سِحر} لجواز وقوعه على الحدث والشخص، أما وقوعه على الحدث فظاهر وأما وقوعه على الشخص، فتقول: هذا سحر وتريد به ذو سحر كما قال تعالى: {ولكن البر مَنْ ءامَنَ} [البقرة: 177] أي ذا البر قال الشاعر:
فإنما هي إقبال وإدبار

. اهـ.

.قال السمرقندي:

قرأ حمزة والكسائي: {ساحر} بالألف.
وقرأ الباقون: {ساحر} بغير ألف.
فمن قرأ بالألف يعني: هذا رجل ساحر.
ومن قرأ بغير ألف يعني: هذا الفعل سحر.
والاختلاف في أربع مواضع: هاهنا، وفي سورة يونس، وفي سورة هود، وفي سورة الصف.
قرأ حمزة والكسائي في هذا كله: بالألف.
وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر في هذا كله: بغير ألف.
وقرأ عاصم وابن كثير: بغير ألف إلا في سورة يونس. اهـ.